15 - شَأْنُ الصَّلَاةِ فِي رَمَضَان

ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَحَجِّ الْبَيْتِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ))(1).

لابد لنا ونحن في شهر الصيام أن نتحدث عن موضوع مهم وعظيم وهو لا يقل أهمية عن الصيام بل إنه يتقدم على الصيام في المرتبة والمكانة ألا وهو الصلاة ؛ فإن الصلاة من أعظم الواجبات التي أوجبها الله على عباده وأجلِّ الفرائض التي افترضها ، فهي عماد الدين وآكد أركانه بعد الشهادتين ، وهي الصلة بين العبد وربه ، وأوّل ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ، فإذا صلحت صلح سائر عمله ، وإذا فسدت فسد سائر عمله ، وهي الفارقة بين الكفر والإسلام ؛ فإقامتها إيمان وإضاعتها كفر وضلال وعصيان ، فلا دين لمن لا صلاة له ، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، من حافظ عليها كانت له نوراً في قلبه ووجهه وقبره وحشره ، وكانت له نجاة يوم القيامة، وحُشر مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة ، وحُشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف.

(( قال الإمام أحمد رحمه الله : جاء في الحديث ( لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) ، وكان عمر بن الخطاب يكتب إلى الآفاق: " إن أهمَّ أموركم عندي الصلاةُ ؛ فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " . قال: فكل مستَخِفٍّ بالصلاة مستهين بها فهو مستخِفٌّ بالإسلام مستهين به ، وإنما حظهم في الإسلام على قدر حظهم من الصلاة ، ورغبتُهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة ، فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك ، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك ، وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الصلاة عمود الدين ) ، ألست تعلمُ أن الفُسطاطَ إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد ، وإذا قام عمود الفسطاط انتُفع بالطنب والأوتاد ! وكذلك الصلاة من الإسلام ، وجاء في الحديث: (إنّ أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله ، وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله)، فصلاتنا آخر ديننا وهي أوّل ما نُسأل عنه غداً من أعمالنا يوم القيامة ، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام))(2) اهـ.

فتضييع الصلاة وإهمالها أمر جد خطير وليس بالهين ، وفما يلي وقفة مع بعض النصوص بشأن الصلاة  :

قال الله تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } [المدثر: 38-43] ، فأخبر سبحانه بأن تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر ؛ وهو وادٍ في جهنم ، وقال تعالى: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } [مريم: 59] ، وجاء عن ابن مسعود أن (غيّاً) نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر ، فيا عظم مصيبة من لقيه ويا شدة حسرة من دخله . وقال تعالى: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } [التوبة:11] ، فعلَّق أخوَّتهم بفعل الصلاة ، فدل على أنهم إن لم يفعلوها فليسوا بإخوان لهم . وقال U: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ } [المرسلات: 48] ، ذكر ذلك بعد قوله: { كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ } [المرسلات: 46] .

وأما الأحاديث في هذا الشأن فهي كثيرة منها: ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ))(3) ، وروى أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن يزيد بن حبيب الأسلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ))(4)، وروى الإمام أحمد بإسناد جيد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي  صلى الله عليه وسلم ((أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ : مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ))(5)، وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ ))(6) ، وروى أحمد ومالك والنسائي بإسناد صحيح عن محجن الأسلمي رضي الله عنه (( أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ )) (7) .

وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا المعنى آثار كثيرة منها: ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه  أنه قال: ((لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ))(8) ، وقال: (( لا إسلام لمن ترك الصلاة)) قاله بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم، بل قال مثلَ قوله هذا غيرُ واحد من الصحابة منهم معاذُ بن جبل وعبدُ الرحمن بنُ عوف وأبو هريرة وعبدُ الله بن مسعود وغيرُهم . وروى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ ))(9) .

فإذا كان هذا شأن من لا يشهد الصلاة مع الجماعة يعده الصحابةُ منافقاً معلومَ النفاق فكيف إذن بالتارك لها !! - نسأل الله السلامة - ، وقد ورد في فضل المحافظة على الصلاة وشدّة عقوبة من تهاون فيها غير ما تقدم نصوص كثيرة لا يسع المقام لبسطها .

ومع ذلك فإنَّ مما يلاحظ على بعض الصائمين إهمالهم للصلاة وعدم عنايتهم بها ؛ إما بتأخيرها عن وقتها ، أو بالتفريط ببعض الصلوات مع اهتمام وعناية بأمر الصيام ، ألم يعقِل هؤلاء مكانة الصلاة وعظم شأنها !! ألم يكن لهم في مدرسة الصيام ما يقودهم إلى المحافظة على الصلاة وتحقيق تقوى الله سبحانه !! ، بل بعضهم أساء الفهم وأبعد النجعة في فهم مدلول قول النبي صلى الله عليه وسلم (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) حيث توهم أن هذا الصيام يكفيه لنيل الغفران ، فركن إلى ذلك وضيع الصلوات ، وما أسوأه من فهم وأبعده عن الحق والهدى ، وأين هذا من النصوص الواردة في الصلاة ترغيبا وترهيبا وهي كثيرة ، وقد تقدم شيء منها ، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ (( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ )) وترك الصلاة كبيرة من الكبائر ، بل دلت النصوص المتقدمة على أنه كفر ، وأن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن تقبلت تقبل منه سائر عمله ، وإن ردت رد عليه سائر عمله .

نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لإقام الصلاة وأدائها كما بينها رسولنا صلى الله عليه وسلم في المساجد مع الجماعة ، وأن يهدي ضال المسلمين ، ويحبب إلينا الصلاة وسائر العبادات إنه سميع قريب مجيب .

*****

 

------------

(1) صحيح البخاري (8)، ومسلم (16) واللفظ له .

(2) حكم تارك الصلاة لابن القيم (ص: 9).

(3) مسلم (82).

(4) مسند الإمام أحمد (22833)، سنن الترمذي (2621 ) وقال: حديث حسن صحيح ، النسائي (463)، وابن ماجه (1079).

(5) مسند الإمام أحمد (2/169، رقم 6576) وصحح إسناده أحمد شاكر .

(6) صحيح البخاري (393).

(7)مسند الإمام أحمد (16347) ، موطأ الإمام مالك (293) ، سنن النسائي (857).

(8) موطأ الإمام مالك (74) ، سنن البيهقي (6291)، مصنف عبد الرزاق (3/125)، مصنف ابن أبي شيبة (8/581).

(9) مسلم (654).