حق كبار السن

إنَّ الدين الإسلامي الحنيف أتى ليكمِّلَ الناس في آدابهم وأخلاقهم ومعاملاتهم . فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)) [1].

وإنَّ من الأخلاق النبيلة والخصال الكريمة التي دعا إليها الإسلام : مراعاة قدر كبار السن ومعرفة حقهم وحفظ واجبهم . فالإسلام أمر بإكرام المسن وتوقيره واحترامه وتقديره ، ولاسيما عندما يصاحب كبر سنه ضعفه العام وحاجته إلى العناية البدنية والاجتماعية والنفسية ، ولقد تكاثرت النصوص وتضافرت الأدلة في بيان تفضيل الكبير وتوقيره ، والحث على القيام بحقه وتقديره .

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا)) [2]. وفي هذا وعيد لمن يهمل حق الكبير ويضيع الواجب نحوه بأنه ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وغيرُ ملازم لطريقته .

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)) [3].

وعن أبي يحي الأنصاري رضي الله عنه قال : انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا ، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَمَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ : ((كَبِّرْ كَبِّرْ )) وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا فَقَالَ : (( تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ ؟ )) وذكر تمام الحديث[4]. وقوله ((كَبِّرْ كَبِّرْ )) معناه : يتكلم الأكبر .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الْآخَرِ ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِي كَبِّرْ ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ)) [5].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْتَنُّ ، فَأَعْطَى أَكْبَرَ الْقَوْمِ وَقَالَ : ((إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُكَبِّرَ)) [6] .

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة والأدلة العديدة التي اشتملت عليها سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهذه النصوص وما جاء في معناها تدعو المسلمين إلى احترام كبار السن من المسلمين ، ومعرفة حق ذي الشيبة المسلم ولزوم الأدب معهم ، وذلك باحترامهم وتوقيرهم ومعرفة قدرهم وحقوقهم ، ومراعاة كبر سنهم وأعمارهم ، وملاحظة ضعفهم ووهن أبدانهم ، وتقدير مشاعرهم وأحاسيسهم ، وتقديمهم في الكلام والطعام والدخول ، ونحو ذلك من الآداب العظيمة والأخلاق الكريمة

ويتأكد الاحترام والتقدير عندما يكون كبير السن أباً أو جدًّا أو خالاً أو قريباً أو جاراً ، وذلك لحق القرابة والصلة والجوار ، وكما يدين المرء يدان ؛ فمن راعى حقوق هؤلاء وحافظ على واجباتهم في شبابه وصحته ونشاطه، هيأ الله له في كبره من يرعى حقوقه .

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ )) [7]. وفي معناه ما رواه يحي بن سعيد المدني قال : : بلغنا أنه من أهان ذا شيبة لم يمت حتى يبعث الله عليه من يهين شيبته إذا شاب .

إن كبار السن وذوي الأعمار المديدة يعيشون مرحلة إقبال على الآخرة وإحساس بدنو الأجل أكثر من غيرهم ، فالطاعة فيهم تزيد والخير فيهم يكثر والوقار عليهم يظهر .

روى ابن أبي الدنيا قال : دخل سليمان بن عبد الملك المسجد فرأى شيخاً كبيراً فدعا به ، قال : يا شيخ أتحب الموت ؟ قال : لا ، قال : بمَ ؟ قال : ذهب الشباب وشره وجاء الكبر وخيره ، فإذا قمت قلت بسم الله ، وإذا قعدت قلت الحمد لله ، فأنا أحب أن يبقى لي هذا .

وعن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه : أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ : (( مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ )) [8].

إن الواجب على الشباب أن يتقوا الله جل وعلا ويراقبوه بمراعاة حقوق هؤلاء الأمثال الأخيار والأفضال الأبرار ، أهل الإحسان والطاعة والخير والعبادة ، أهل الركوع والسجود والصيام والقيام ، والتسبيح والتهليل والحمد والطاعة.

وإن من المؤسف حقاً أن تهدر حقوق هؤلاء في ظل طيش الشباب وغمرتهم في السهو والغفلة ؛ فلا للآباء يحترمون ، ولا للكبار يقدِّرون ويوقرون ، ولا للقيام بحقوق هؤلاء يقومون ويرعون ، بل ولا للوقوف بين يدي الله يراقبون ، لاسيما وأن بعض سفهاء الشباب قد يرتكبون تجاه هؤلاء اعتداءات مشينة وتجاوزات عظيمة تسفِر عن قلة الحياء وذهاب الخلق والمروءة ومفارقة القيم والأخلاق ، فهم في غمرتهم ساهون ، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقَلب ينقلبون .

ألا فليتق الله هؤلاء بمعرفة حقوق آبائهم وأكابرهم وحفظ أقدارهم ومراعاة واجباتهم ، وإنا لنسأل الله أن يهدي شباب المسلمين وأن يردَّهم إلى الحق رداً . ونسأله سبحانه أن يمتِّع كبار السن بالصحة والعافية ، وأن يرزقهم صلاح الذرية وحسن العاقبة ، وأن يختم لنا ولهم بالخير والإيمان .

********

________________

[1] رواه البخاري في ( الأدب المفرد ) (273) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح الأدب المفرد) (207) .

[2] رواه أبو داود (4943) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن أبي داود) (4134).

[3] رواه أبو داود (4843) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن أبي داود ) (4053) .

[4] رواه البخاري (3173) ، ومسلم (1669) .

[5] رواه البخاري (246) معلقاً ، ومسلم (2271) موصولاً – واللفظ له - .

[6] رواه أحمد  (2/138) ، وصححه الألباني رحمه الله في (الصحيحة) (1555).

[7] رواه الترمذي (2022) ، وضعَّفه الألباني رحمه الله في (ضعيف سنن الترمذي) (348).

[8] رواه الترمذي (2329) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (1898).