06 - نعمة الهداية إلى دين الإسلام
إن أجلّ نعم الله وأعظم مننه على عباده هدايته تبارك وتعالى من شاء من عباده إلى هذا الدين الحنيف ، إلى دين الإسلام ، دين الله تبارك وتعالى الذي رضيه لعباده دينا ؛ إذ هي النعمة العظمى والعطية الأجلّ .
يقول الله تعالى في التنويه بهذه النعمة وبيان عظم مكانتها وأنها منته سبحانه على من شاء من عباده يقول جلَّ وعلا: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [الحجرات:17] ويقول جلَّ وعلا: { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } [الحجرات:7] ويقول جلَّ وعلا: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [النور:21]، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وإنما عظم شأن هذه النعمة وكبر قدرها لأنَّ الإسلام هو دين الله تبارك وتعالى الذي رضيه عز وجل لعباده دينا ولا يقبل منهم ديناً سواه ، يقول جلَّ وعلا: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } [آل عمران:19] ، ويقول جل وعلا: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران:85] ، ويقول جلَّ وعلا: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة:3] ، ويقول جلَّ وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } [البقرة:208] أي في الإسلام .
ومن عرف الإسلام وما يدعو إليه من العبادات العظيمة والأعمال الجليلة والآداب الرفيعة أدرك رفيع قدره وعلو شأنه .
فالإسلام يقوم على عقائد صحيحة يُعمَر بها قلب المؤمن ؛ إيمان بالله عز وجل ، وإيمان بكل ما أمر تبارك وتعالى عباده بالإيمان به { قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران:84–85] ، فالإسلام بمفهومه العام الشامل يشمل عقائد الدين التي تُعمر بها القلوب من الإيمان بالله والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وفي المسند للإمام أحمد رحمه الله (( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ الْإِيمَانُ ، قَالَ وَمَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ : تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ )) حديثٌ حسن .
والإسلام يقوم على طاعات زاكية وعبادات عظيمة يفعلها العبد متقرباً بها إلى الله جل وعلا منقاداً مستسلماً مذعناً لله خاضعا لجنابه سبحانه ، وأعظم طاعات الإسلام وأجلّها مباني الإسلام الخمسة التي بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث متكاثرة ؛ منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ )).
فالإسلام صلاحٌ في الظاهر والباطن ؛ فباطن الإنسان وهو قلبه يستسلم لله جلَّ وعلا ويخضع لجناب الرب سبحانه ويذل وينكسر بين يديه ، وجوارح العبد تنقاد مستسلمةً لله مطيعةً له ممتثلةً أمره عز وجل ، جاء في المسند للإمام أحمد بسند ثابت عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت يا رسول الله ما الإسلام ؟ قال : (( أَنْ يُسْلِمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَتُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ )) فجمع عليه الصلاة والسلام في معنى الإسلام بين صلاح الباطن بالاستسلام - استسلام القلب لله - وصلاح الظاهر بصلاح الجوارح بالاستقامة على طاعة الله والمحافظة على عبادته سبحانه .
والإسلام تكافلٌ بين المسلمين وتعاونٌ وتواصلٌ وتراحم وأخوَّة قال جلَّ وعلا: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات:10] ، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم : ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ )) ، وفي الحديث أيضا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : (( أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ )) رواه البخاري ومسلم.
والإسلام نهوضٌ بالهمم وارتفاعٌ بالعزائم وانشغالٌ بمعالي الأمور وبُعدٌ عن كل ما لا يعني الإنسان في دينه ودنياه ، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ)) . رواه الترمذي.
فهو دين عظيم يهذب العقائد ، وينقي الأعمال ، ويزكي السلوك ، ويرتفع بالعبد إلى معالي الأمور ؛ وهو مع المسلم الصادق في جميع أحواله قائما وقاعدا ومضطجعا، روى الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : اللهم احفظني بالإسلام قائما ، اللهم احفظني بالإسلام قاعدا ، اللهم احفظني بالإسلام راقدا ، ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا ، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك ، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك )) وهو من أجمع الدّعاء وأعظمه، ومن حُفظ بالإسلام في قيامه وقعوده ورقوده فقد سلِمت له دنياه وأخراه وأفلح في الأولى والآخرة وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، فما أجلها من منّة أن يوفق المرء للإسلام عملاً به ودعوةً إليه وانتماءً إليه فلا أحسن ممن كان متصفاً بهذه الصفات ، قال جلَّ وعلا: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت:33] .