خطب النبي ﷺ في حجة الوداع
إنَّ خُطَبَ النَّبيِّ ﷺ ومواعظَه في حجَّـتِه التي ودَّع فيها المسلمين ذاتُ شأنٍ عظيمٍ، ومكانةٍ ساميةٍ؛ فقد قرَّرَ فيها عليه الصلاة والسلام قواعدَ الإسلامِ، ومَجامِعَ الخيرِ، ومكارمَ الأخلاق، بكلماتٍ بليغات، وعِظاتٍ نافعات، ممَّنْ أوتي جوامعَ الكَلِمِ، وكمالِ النُّصحِ.
ولما كان الحجُّ خيرَ مقامٍ لنُصْحِ العِبادِ وتعليمِ الخَيرِ فإِنَّ خيرَ هديـةٍ تُقَدَّمُ لهم، وأتَمَّ فائدةٍ يظفرون بها؛ أن يقفوا على خُطَبِ نبيِّهم ﷺ ومواعِظِهِ في حجة الوداع؛ فهو الناصِحُ الأمينُ، والمُبَلِّغُ المُشْفِقُ، والمربي الحكيم، وهو أنصحُ الناس للناس، بل هو قدوةُ الناصحين.
وفي هذه الوريقات جمعٌ لطائفةٍ نافعةٍ من خُطَبِ النبيِّ ﷺ ومواعظِه فـي حجَّةِ الوداعِ؛ ممَّا أرجو أن يكونَ زادًا للوُعَّاظِ، وذَخيرةً للمُذَكِّرين، وبُلغةً للنَّاصحين، جعلتُ بين يدي كُلِّ حديثٍ عنوانًا يرشدُ إلى مضمونِه؛ ليتسنَّى إلقاؤُها على الحاجِّ وغيره في دروسٍ وكلمات متعددة، ولي شرح على أكثرها في كتابي «خطب ومواعظ من حجَّة الوداعِ».
وأسأل الله أن يوفقنا أجمعين لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
(1) الوصية بالعلم والحث على تحصيله
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُرْدِفٌ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما على جَمَلٍ آدَمَ فَقالَ: «يا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مِنَ العِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَقَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ» ... فَقَالَ لَهُ [أعرابيٌّ]: «يا نَبِيَّ اللَّهِ، كَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ مِنَّا وَبَيْنَ أَظْهُرِنَا الْمَصَاحِفُ وَقَدْ تَعَلَّمْنَا مَا فِيهَا، وَعَلَّمْنَا نِسَاءَنَا وَذَرَارِيَنا وَخَدَمَنا؟!». قالَ: فَرَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ رَأْسَهُ وَقَدْ عَلَتْ وَجْهَهُ حُمْرَةٌ مِنَ الْغَضَبِ فَقال: «أَيْ! ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ المَصَاحِفُ لَمْ يُصْبِحُوا يَتَعَلَّقُونَ بِحَرْفٍ مِمَّا جَاءَتْهُمْ بِهِ أَنبِيَاؤُهُمْ، أَلا وَإِنَّ مِنْ ذَهَابِ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ» ثَلَاثَ مِرَارٍ. رواه الإمام أحمدُ، والدارميُّ.
(2) تحريم الدماء والأموال والأعراض
1- روى جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل الذي وصف فيه حجةَ النبيِّ ﷺ: أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذا» رواه مسلم.
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قَالُوا: «يَوْمٌ حَرَامٌ» ، قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قَالُوا: «بَلَدٌ حَرَامٌ» ، قَالَ: «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» قَالُوا: «شَهْرٌ حَرَامٌ»، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا» فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَـقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ»؛ «فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» رواه البخاري.
3- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ» رواه البخاريُّ، ومسلم.
4- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ ﷺ بِمِنًى: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: «فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «بَلَدٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «شَهْرٌ حَرَامٌ»، قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» رواه البخاري.
5- عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فَقَالَ: «لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» رواه البخاري ومسلم.
(3) الوصية بالنساء
روى جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل الذي وصف فيه حجةَ النبيِّ ﷺ: أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «فاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْـرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ» رواه مسلم.
(4) إبطال أمور الجاهلية
1- روى جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل الذي وصف فيه حجةَ النبيِّ ﷺ: أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّـةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانا؛ رِبا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ» رواه مسلم.
(5) خمس خصال موجبة لدخول الجنة
عن أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَخْطُبُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ؛ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّـكُمْ» رواه الترمذي.
(6) السَّمعُ والطَّاعة لمن وَلِيَ أمرَالمسلمين
عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَدَّتِي تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ: «ولَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْـكُمْ عَبْـدٌ يَـقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا» رواه مسلم.
وفيه حديث أبي أمامة رضي الله عنه في الذي قبله.
(7) الدعوة لحملة السُّنة بالنضرة
1- عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَقَالَ : «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِمْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوَلِيِّ الأمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرائِهِ» رواه ابن ماجه .
2- عن زَيْدِ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُـبَلـِّغَهُ غَيْـرَهُ ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلاَثُ خِصَالٍ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ». وَقَالَ: «مَنْ كَانَ هَمُّهُ الآخِرَةَ؛ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا؛ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ» رواه الإمام أحمد.
(8) ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم
فقد جاء في حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه السابق: قال رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثَلاَثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِمْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوَلِيِّ الأمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَائِهِ» رواه ابن ماجه.
وفيه حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه السابق أيضًا.
(9) إن أكرمكم عند الله أتقاكم
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رضي الله عنه قال: حَدَّثَني مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: «يَا أَيُّها النَّاسُ: أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَباكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، ولا أَسْوَدَ على أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟»، قَالُوا: «بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ» رواه الإمام أحمد.
(10) بيان مَن المؤمن ، ومَن المسلم، ومَن المجاهد، ومَن المهاجر
عن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ: مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ: مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ في طَاعَةِ اللهِ، وَالمُهَاجِرُ: مَنْ هَجَرَ الخَطَايَا والذَّنُوبَ» رواه الإمام أحمد.
(11) لا يدخل الجنة إلا مؤمن
1- عن بِشْرِ بْنُ سُحَيْمٍ رضي الله عنه قال: خَطَبَ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا مُؤْمِنٌ» رواه الإمام أحمد.
2- عَن بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَمَرَ أَنْ يُنَادَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: «أَنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ» رواه الإمام أحمد.
3- عَن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى: «أَنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ» رواه مسلم .
4- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِبَـرَاءَةٌ، فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تُنَادُونَ؟ قَالَ: كُنَّا نُنَادِي: «أَنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ... » الحديث.
قَالَ أبو هريرة: «فَكُنْتُ أُنادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي» رواه النسائي.
(12) التأكيد على لزوم الكتاب والسنة والحذر من البدع ومن القول على النبي ﷺ بلا علم
1- روى جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل الذي وصف فيه حجةَ النبيِّ ﷺ: أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «وقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ؛ كِتَابَ اللَّهِ، وأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: «نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ»، فَقالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ «اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. رواه مسلم.
2- عن عَمْرو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُرَّةَ قَالَ: حَدَّثَني رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قامَ فِينا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ مُخَضْرَمَةٍ فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ يَوْمَكُمْ هَذَا؟...»، وذكر الحديث، وفيه: «أَلا وإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ أَنظُـرُكُمْ، وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ، فَلَا تُسَوِّدُوا وَجْهِي، أَلا وَقَدْ رَأَيْتُمُونِي وَسَمِعْتُمْ مِنِّي وَسَتُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، أَلَا وَإِنِّي مُسْتَنْقِذٌ رِجَالًا أَوْ نَاسًا، وَمُسْتَنْقَذٌ مِنِّي آخَرُونَ، فأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» رواه الإمام أحمد.
(13) الحث على بر الوالدين وصلة الأرحام
عَنْ أُسَامَةَ بن شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ: «أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ» رواه الطبراني.
(14) التحذير من الجناية على الآخرين ، ومن الشيطان وكيده
عن عمرو بن الأحوصِ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول في حجةِ الوداعِ: «يا أيها الناسُ ألا أيُّ يوم أَحْرَمُ؟» ثلاث مرات، قالوا: يومَ الحجِّ الأكبر، قال «فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم بينكم حرامٌ كحرمةِ يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا، ألا لا يَجني جانٍ إلا على نفسِه، ولا يَجني والِدٌ على ولدِه، ولا مولودٌ على والدِه، ألا إِنَّ الشيطانَ قد أَيِسَ أن يُعبدَ في بلدِكم هذا أبدًا، ولكن سيكونُ له طاعةٌ في بعض ما تحتقرون من أعمالِكم فيرضى بها، ألا وكُلُّ دَمٍ مِن دماء الجاهلية موضوعٌ، وأولُ ما أضعُ منها دمَ الحارث بن عبد المطلب؛ كان مسترضعًا في ليثٍ فقتلتْهُ هُذَيل، ألا وإنَّ كُلَّ ربًا من ربا الجاهلية موضوعٌ، لكم رؤوسُ أموالكم لا تَظْلمون ولا تُظْلمون، ألا يا أمتاه هل بلغت؟» ثلاث مرات، قالوا: نعم، قال: «اللهم اشهد» ثلاث مرات. رواه ابن ماجه.
(15) بيان أن الله قسم المواريث في كتابه، والتحذير من انتساب الرجل لغير أبيه
عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمِنًى وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا، وَلُعَابُهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَسَمَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ، فَلَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَللْعَاهِرِ الْحَجَرُ ، أَلَا وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، رَغْبَةً عَنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، ولا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ ولا عَدْلٌ» رواه أحمد وابن ماجه.
(16) بيانُ قِصَرِ الدُّنيا، وسُرْعَةِ زوالِها، وعدم الاغترار بها، والاستعداد للآخرة
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ وَاقِفًا بِعَرَفاتٍ، فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ حِينَ تَدَلَّتْ مِثْلَ التُّرْسِ لِلْغُرُوبِ فَبَكَى وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ وَقَفْتَ مَعِي مِرَارًا، لِمَ تَصْنَعُ هَذا؟ فَقَالَ: ذَكَرْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَهُوَ وَاقِفٌ بِمَكَانِي هذا فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْياكُمْ فِيما مَضَى مِنْهَا إِلا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ» رواه أحمد.
وفيه حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه المتقدِّم: «من كان همُّه الآخرة الآخِرَةَ؛ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا؛ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ» رواه الإمام أحمد.
(17) الحثُّ على السَّكينةِ
1- عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ» رواه البخاري.
2- عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أفاضَ رسولُ الله ﷺ مِن عرفةَ وأنا رديفُه فجعلَ يَكْبحُ راحلتَه؛ حتَّى إنَّ ذفراها ليكادُ يُصِيبُ قادمةَ الرَّحْلِ وهو يقول: «يا أيها الناس عليكم بالسَّكينةِ والوَقارِ، فإنَّ البرَّ ليسَ في إيضاع الإبل» رواه النسائي.
3- لما تزاحم الناس عند الجمرات قال ﷺ : «يا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، إِذا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ، فَارْمُوهَا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» رواه الإمام أحمد.
(18) التحذيرُ من فتنةِ الدَّجالِ، وذِكْـرُ صِفَـتِه
عنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الوَداعِ وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الوَداعِ، فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ: «ما بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ؛ أَنذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ، فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ -ثَلاثًا- إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَر، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كأَنَّ عَيْنَهُ عِنَـبَـةٌ طافِـيَـةٌ» رواه البخاري ومسلم.
(19) التحذير من كبائر الإثم
1- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ: أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا» رواه الإمام أحمد.
2- حديث جابر رضي الله عنه السابق في وصف حجة الوداع؛ وفيه قول النبيَّ ﷺ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا».
(20) التأكيد على أخوة الدين وحفظها
عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه في حديث شهوده لحجة الوداع أنَّ رسول الله ﷺ ذكَّر ووعظَ، وفيه: «ألا إنَّ المسلمَ أخو المسلم؛ فليس يحلُّ لمسلمٍ مِنْ أخيه شيءٌ إلا ما أحلَّ من نفسِه» رواه الترمذي.
هذا ما تيسَّر جمعه ممَّا صحَّ من خُطَبِ النبيِّ ﷺ في حجَّة الوداع، وأسأل اللهَ تعالى أن ينفعَ به، وأن يكون معونة لنشرِ ما تضمَّنتهُ هذه الخطب من هداياتٍ وأحكامٍ.
وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وحُسنَ الاتِّباع لهدي نبيِّنا الكريم ﷺ ، وصلى الله على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وسلَّم.