سُرَّاقُ الدين

كثير من الناس يدرك خطورة سراق الأموال ويحترز لماله خشية عليه منهم، ولا يدرك خطورة سراق الدين فلا يبالي بما سُرق من دينه فضلا عن أن يحترز من سراقه، ولا يزال دينه يوما تلو يوم نهبة للسراق دون مبالة منه، ولو كان الذي سرق قدر يسير من ماله لفزع وهاله الأمر.
والسراق - كما قال ابن القيم - (( أنواع لا تحصى: فمنهم السراق بأيديهم، ومنهم السراق بأقلامهم، ومنهم السراق بأمانتهم، ومنهم السراق بما يظهرونه من الدين والفقر والصلاح والزهد وهم في الباطن بخلافه، ومنهم السراق بمكرهم وخداعهم وغشهم )) إعلام الموقعين (3/332).
لكنَّ المطيع الموفق يسلم له دينه بحفظ من الله، والعاصي يذهب دينه نهبة لهؤلاء السراق، قال ابن القيم رحمه الله: (( إن المطيع قد أحاط على بستان طاعته حائطا حصينا لا يجد الأعداء إليه سبيلا فثمرته وزهرته وخضرته وبهجته في زيادة ونمو أبدا، والعاصي قد فتح فيه ثغرا وثلم فيه ثلمة ومكَّن منه السراق والأعداء فدخلوا فعاثوا فيه يمينا وشمالا : أفسدوا أغصانه وخربوا حيطانه وقطعوا ثمراته وأحرقوا فى نواحيه وقطعوا ماءه ونقصوا سقيه فمتى يرجع هذا إلى حاله الأول، فإذا تداركه قيِّمه ولم شعثه وأصلح ما فسد منه وفتح طرق مائه وعمر ما خرب منه فإنه إما أن يعود كما كان أو أنقص أو خيرا، ولكن لا يلحق بستان صاحبه الذى لم يزل على نضارته وحسنه، بل في زيادة ونمو وتضاعف ثمرةٍ وكثرة غرس)) مدارج السالكين لابن القيم (1/295-296).