السحاب

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب: "مفتاح دار السعادة" (ص 576-577) :
وبالجملة؛ فإذا تأملت السحاب الكثيف المظلم ، كيف تراه يجتمع في جو صاف لا كدورة فيه ، وكيف يخلقه الله متى شاء وإذا شاء ، وهو مع لينه ورخاوته حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض ، إلى أن يأذن له ربه وخالقه في إرسال ما معه من الماء ، فيرسله وينزله منه مقطعا بالقطرات ، كل قطرة بقدر مخصوص اقتضته حكمته ورحمته ، فيرش السحاب الماء على الارض رشًا ، ويرسله قطرات مفصلة ، لا تختلط قطرة منها بأخرى ، ولا يتقدم متأخرها ، ولا يتأخر متقدمها ، ولا تدرك القطرة صاحبتها فتمتزج بها ، بل تنزل كل واحدة في الطريق الذي رسم لها لا تعدل عنه ، حتى تصيب الارض قطرة قطرة ، قد عينت كل قطرة منها لجزء من الارض لا تتعداه إلى غيره، فلو اجتمع الخلق كلهم على أن يخلقوا منها قطرة واحدة أو يحصوا عدد القطر في لحظة واحدة لعجزوا عنه . فتأمل كيف يسوقه سبحانه رزقا للعباد والدواب والطير والذر والنمل ، يسوقه رزقا للحيوان الفلاني في الأرض الفلانية بجانب الجبل الفلاني فيصل إليه على شدة من الحاجة والعطش في وقت كذا وكذا .