حكم الحوقلة عند حصول المصيبة
إيضاح وتنبيه

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله:
الحمد لله الذي فتح لعباده أبواب رحمته وشرع لهم من الأعمال والأقــوال ما يوصلهم إلى رضوانه وجنته، ويباعدهم عن سخطه ونقمته، وبعدُ:
فإن من أعظم العبادات وأجلها قدراً وشرفاً ما شرعه الله منَّ الأذكـار والدعوات الــواردة في كتاب الله - عز َّ وجـل - وفي السنة الصحيحة من أقوال الرسول ﷺ ومن ذلك قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، قال عنها رسول الله ﷺ لأبي موسى الأشعري: «يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بـالله»، متفق عليه، زاد النسائي: «لا ملجأ من الله إلا إليه». وقد حث النبي ﷺ على الإكثار من قولها مطلقاً في جميع الأوقات والأحوال في أحاديث صحيحة معلومة.
وقد ذكر أهل العلم في معناها أقـوالاً متقاربة المعنى كلها تدل على عظمة هذه الكلمة، وأنه لا قدرة لأحد من الخلق على دفع شر، ولا على تحصيل خير، ولا على تحول من حال إلى حال إلا بالله، فهي كلمة جامعة شاملة تدل على كمال التوحيد والتفويض لله في جميع الأمور والتبرؤ من الحول والقوة، وقد تميزت بوصفها أنها كنز من كنوز الجنة. ولذلك شُرِع للمسلم أن يقولها مطلقاً في جميع الأوقات وفي جميع الأحوال في مناسبة وبدون مناسبة.
وقد اطلعت على كلام لبعض إخواننا من طلبة العلم ـــ وفقنا الله وإياهم للعلم النافع والعمل الصالح ـــ يقول فيه: إن من الأخطاء الشائعة قول بعض الناس عند المصيبة: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وعللوا ذلك بأن كلمة الحوقلة استعانة وأن الذي ورد في الآية في هذا الموضع وهو قول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) يعتبر استرجاعا، ووجه الخطأ عندهم أنه قال كلمة الاستعانة في موضع الاسترجاع.
ولا شك أن المـشـروع للمؤمن أن يقول عند المصيبة (إنــا لله وإنـــا إلـيـه راجــعــون)، كما أرشـــد الله عـبـاده إلــى ذلــك في قوله: ﴿وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوٓاْ ‌إِنَّا ‌لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾ [البقرة: 155-156]، ويقول أيضا: «اللَّهُمَّ أجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا» كما أرشد إلى ذلك النبي ﷺ في الحديث الذي رواه مسلم (918).
وللمسلم أن يقول عند المصيبة ما تيسر من الأدعية والأذكار، ومن أهمها وأنفعها قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) لحاجته الماسة إلى ما تضمنته هذه الكلمة العظيمة من التبرؤ من الحول والقوة، من التحول من الضعف والجزع إلى الصبر والاحتساب، وإلى دفع حزن المصيبة وهولها وهمها وغمها. ومعلوم أن هذا المعنى جزء من معانيها الواسعة والشاملة، فالعبد في حاجة إلى قولها في كل أحواله، ومن ذلك عند نزول المصائب والشدائد للاستعانة بالله على تحملها والصبر عليها، ثم هي مع ذلك كنز من كنوز الجنة، كما في الحديث المتقدم المتفق على صحته، فلا يليق أن يطلق القول بأن قولها عند المصيبة خطأ وأنه في غير محله؛ بل إنها تقال دائما في جميع الأوقات وفي جميع الأحوال في مناسبة وبدون مناسبة لوصية النبي ﷺ بالإكثار منها مطلقًا كما هو معلوم. جعلنا الله من المكثرين منها بصدق وإخلاص ويقين العاملين بها على الوجه الذي يرضيه سبحانه ونفعنا بها في الدنيا والآخرة.
وقد استشهد بعض من قال: إن قولها عند المصيبة خطأ، وأنه في غير محله، على قوله هـذا، بكلام لشيخ الإسـلام ابن تيمية -رحمه الله - ورد في الجزء العاشر من الفتاوى ص 686 – 687 قال ابن تيمية - رحمه الله: «قال الشبلي بين يدي الجنيد: لاحول ولا قوة إلا بالله، فقال الجنيد: قولك ذا ضيق صدر، وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية تعليقاً على قول الجنيد: «فإن هذا من أحسن الكلام، وكان الجنيد - رضي الله عنه - سيد الطائفة ومن أحسنهم تعليمًا وتأديبًا وتقويمًا وذلـك أن هذه الكلمة كلمة استعانة، لا كلمة استرجاع، وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولها جزعًا لا صبرًا، فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله لها، إذ كانت حالاً تنافي الرضا، ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه»، انتهى كلام شيخ الإسلام.
والظاهر من قول شيخ الإسلام أن الخطأ في قولها عند المصيبة جزعًا لا صبرًا، أمّا من قالها مستعينا بالله على التحول من الجزع ونحوه إلـى الصبر والاحتساب ودفـع ما يترتب على المصيبة من الهم والغم والحزن؛ فإن قوله لها والحال ما ذكر في محله وموافق لما شرعه الله ورسوله من الأدعية والأذكــار، وليس في كلام شيخ الإسـلام - رحمه الله - ما يدل على النهي عن قولها عند حلول المصائب، بل إن ابن تيمية - رحمه الله - يقول عن هذه الكلمة ـــ ابتداء ــــ كما في الجزء العاشر من فتاواه (ص 137 ) في وصيته العامة لكل مسلم بعد كلام سابق: «وليكن هُجّيراه: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ فإنها بها تحمل الأثقال وتكابد الأهوال وينال رفيع الأحوال»، ومقتضى هذا الكلام أنها تقال عند المصائب وعند الاستعانة على تحصيل المطالب، وأنها تقال في جميع الأحوال، في مناسبة أو بدون مناسبة.
ولكن بعض الناس أثناء استشهاده بكلام شيخ الإسلام في هذا الموضع نقل أوله وهو قوله: (وذلك أن هذه الكلمة كلمة استعانة لا كلمة استرجاع)، ولم ينقل آخره وهو قوله: (وكثير من الناس يقولها عند المصائب... ويقولها جزعا لا صبرا)، ومن هنا نشأ عدم الدقة في فهم كلام شيخ الإسلام في الموضوع.
مع أن قول الجنيد للشبلي: (قولك ذا ضيق صدر...إلخ) هذا القول فيه نظر؛ لأن مجرد قوله: (لا حول ولا قوة إلا بالله) حال المصيبة لا يدل على أنه قالها جزعا لا صبرا، إلا إن كان ظهر ـــ لجنيد ــــ من حاله ما يدل على ذلك رحمة الله على الجميع.
وبذلك يعلم أن قول هذه الكلمة العظيمة: (لا حول ولا قوة إلا بالله) عند المصائب لا خطأ فيه لعموم الأدلة وشمول معانيها؛ لأنه في حال المصيبة في حاجة إلى الاسترجاع وإلى الاستعانة ولا غنى له عنهما كما تقدم إيضاحه؛ ولوجوب النصيحة والتنبيه جرى تحريره.
وفق الله الجميع للفقه في دينه ومعرفة الحق بدليله والثبات عليه، إنه سبحانه جـواد كـريم، لا إله لنا غيره ولا رب لنا سواه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الرابط: https://bit.ly/3b0wxS2